[center]في رثاء الأندلس
للكاتب : أبو البقاء الرندي
هو أبو البقاء صالح بن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم بن علي بن شريف الرندي الأندلسي (601 هـ -684 هـ الموافق: 1204 - 1285 م) هو من أبناء (رندة) قرب الجزيرة الخضراء بالأندلس وإليها نسبته. وهو من حفظة الحديث والفقهاء. وقد كان بارعا في نظم الكلام ونثره. وكذلك أجاد في المدح والغزل والوصف والزهد. إلا أن شهرته تعود إلى قصيدة نظمها بعد سقوط عدد من المدن الأندلسية. وفي قصيدته التي نظمها ليستنصر أهل العدوة الإفريقية من المرينيين عندما أخذ ابن الأحمر محمد بن يوسف أول سلاطين غرناطة في التنازل للإسبان عن عدد من القلاع والمدن إرضاء لهم وأملا في أن يبقى ذلك على حكمه غير المستقر في غرناطة وتعرف قصيدته بمرثية الأندلس.
لكل شـيء إذا مـا تـم نقصـان فلا يغر بطيـب العيـش إنسـان
هي الأمـور كمـا شاهدتهـا دولٌ من سرَّهُ زمـنٌ ساءتـه أزمـانُ
وهذه الدار لا تبقـي علـى أحـد ولا يدوم على حـال لهـا شـانُ
يمزق الدهر حتمًـا كـل سابغـةٍ إذا نبـت مشرفيـات وخرصـان
وينتضي كل سيـف للفنـاء ولـوكان ابن ذي يزن والغمد غمـدان
أين الملوك ذوو التيجان من يمـنٍ وأيـن منهـم أكاليـلٌ وتيـجـانُ
وأين مـا شـاده شـدَّادُ فـي إرمٍ وأين ما ساسه في الفرس ساسـانُ
وأين ما حازه قارون مـن ذهـب وأيـن عـادٌ وشـدادٌ وقحـطـانُ
أتى على الكل أمـر لا مـرد لـه حتى قضوا فكأن القوم مـا كانـوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلـك كما حكى عن خيال الطيفِ وسنانُ
دار الزمـان علـى دارا وقاتلـه وأمَّ كسـرى فمـا آواه إيــوانُ
كأنما الصعب لم يسهل لـه سبـبُ يومًـا ولا مَلـك الدنيـا سليمـان
فجائـع الدهـر أنـواع منوعـة وللزمـان مـسـرات وأحــزانُ
وللحـوادث سـلـوان يسهلـهـا وما لما حـل بالإسـلام سلـوانُ
دهى الجزيرة أمرٌ لا عـزاء لـه هـوى لـه أحـدٌ وانهـد نهـلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فارتزأت ْحتى خلت منـه أقطـارٌ وبلـدانُ
فاسأل بلنسيةَ مـا شـأنُ مرسيـةٍ وأيـن شاطبـةٌ أمْ أيـن جـيَّـانُ
وأيـن قرطبـةٌ دارُ العلـوم فكـم من عالمٍ قد سما فيهـا لـه شـانُ
وأين حمصُ وما تحويه من نـزهٍ ونهرها العـذب فيـاض ومـلآنُ
قواعدٌ كـنَّ أركـانَ البـلاد فمـا عسى البقاء إذا لم تبقـى أركـان
تبكي الحنيفيةَ البيضاءَ من أسـفٍ كما بكى لفـراق الإلـف هيمـانُ
حيث المساجدُ قد أضحتْ كنائسَ مافيهـنَّ إلا نواقـيـسٌ وصلـبـانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامـدةٌ حتى المنابرُ ترثي وهـي عيـدانُ
يا غافلاً وله في الدهـرِ موعظـةٌ إن كنت في سِنَةٍ فالدهـر يقظـانُ
وماشيًـا مرحًـا يلهيـه موطنـهُ أبعد حمصٍ تَغرُّ المـرءَ أوطـانُ
تلك المصيبةُ أنْسَـتْ مـا تقدَّمهـا وما لها مع طولَ الدهـرِ نسيـانُ
يا راكبين عتاقَ الخيـلِ ضامـرةً كأنها في مجـال السبـقِ عقبـانُ
وحاملين سيـوفَ الهنـدِ مرهقـةُ كأنها فـي ظـلام النقـع نيـرانُ
وراتعين وراء البحـر فـي دعـةٍ لهـم بأوطانهـم عـزٌّ وسلطـانُ
أعندكم نبـأ مـن أهـل أندلـسٍ فقد سرى بحديثِ القـومِ ركبـانُ
كم يستغيث بنا المستضعفون وهـم قتلى وأسرى فمـا يهتـز إنسـان
لماذا التقاطع في الإسـلام بينكـمُ وأنتـمْ يـا عبـاد الله إخــوانُ
ألا نفـوسٌ أبيَّـاتٌ لهـا هـمـمٌ أما على الخيرِ أنصـارٌ وأعـوانُ
يا من لذلـةِ قـومٍ بعـدَ عزِّهُـمُ أحـال حالهـمْ جـورُ وطغيـانُ
بالأمس كانوا ملوكًا فـي منازلهـم واليومَ هم في بلاد الضـدِّ عبـدانُ
فلو تراهم حيـارى لا دليـل لهـمْ عليهمُ مـن ثيـابِ الـذلِ ألـوانُ
ولو رأيـتَ بكاهُـم عنـدَ بيعهـمُ لهالكَ الأمرُ واستهوتـكَ أحـزانُ
يا ربَّ أمٍّ وطفـلٍ حيـلَ بينهمـا كمـا تـفـرقَ أرواحٌ وأبــدانُ
وطفلـةٍ مثـل حسـنِ الشـمـسِ إذ طلعت كأنما ياقـوتٌ ومرجـانُ
يقودُها العلـجُ للمكـروه مكرهـةً والعيـنُ باكيـةُ والقلـبُ حيـرانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ مـن كمـدٍ إن كان في القلب إسـلامٌ وإيمـانُ